مقالات
"أيام الخوف".. كيف مرّ 14 يومًا على مهندسي "خالدة" للبترول بالحجر الصحي؟
الأحد , 15/03/2020 11:30:00 PM  
كَتَّبَ : ماهر الحسينى
ما أن حلت السادسة مساءً، هرول المهندس سيد حماد صوب غرفته؛ للملمت مقتنياته وملابسه، استعدادًا لمغادرة أحد حقول شركة "خالدة للبترول" الواقعة في الصحراء الغربية، عقب انتهاء 14 يومًا من الحجر الصحي الذي فُرض على جميع العاملين هناك مطلع الشهر الجاري، من قِبل وزارة الصحة، وذلك بعد إصابة مهندس كندي بفيروس كورونا (كوفيد-19).
1500 عامل بحقول الشركة، وُضعوا داخل الحجر الصحي، مُقسمين إلى درجات: مخالطين الدرجة الأولى وهم أصدقاء وعمال المهندس الكندي، ومخالطين درجة ثانية، وهم الذين تعاملوا مع مخالطين الدرجة الأولى بشكل مباشر، ومخالطين الدرجة الثالثة الذين كان منهم "حماد" ومعظم العاملين: "كان وضعنا أحسن شوية، بيتم قياس درجات حرارتنا الصبح بعد الفطار، وبالليل بعد الشغل"، فيما بدأت تهاجم رأسه أشباحًا وأفكارًا مُخيفة.
حاول المهندس صاحب الثلاثين ربيعًا، إبعاد هذه الأفكار عن رأسه، رغم الاتصالات التي انهالت عليه من أسرته وأصدقائه في الإسكندرية، موضحا بقوله: "كان فيه شائعات كتير، وهم كانوا قلقانين عليا خصوصًا مراتي"، ليجتهد في طمأنتهم بأن الأوضاع مستقرة، وأنه لم يصبه أي مكروه، غير أنه لم يكن قانعًا بذلك؛ إذ بدأ الخوف يتسرب إلى قلبه رويدًا رويدًا، خاصة "كان فيه ناس درجة حرارتها بترتفع وتتعزل تمامًا بالأيام، فكنا بنخاف ونفتكرهم جالهم كورونا"، لكنه سُرعان ما يستعيد قوته عقب عودتهم للعمل مُجددًا، ما أن يتماثلوا للشفاء.
وكانت حالة القلق والخوف التي تلبست جميع المتواجدين في حقول شركة البترول، سببا في تحرك الإدارة المسؤولة عن سلامتهم "سيفتي"، لتشكيل فرق توعية، "كنت بروح المحاضرات بيقولوا لنا مخاطر كورونا، وازاي نحمي نفسنا من الفيروس"، فضلًا عن التطمينات التي قاموا ببثها في نفوسهم، تلك التي حاول إيصالها لزوجته وطفلته، التي نهش الخوف قلبه عليهما: "كنت خايف عليهم وهم كانوا خايفين عليا".
استمرت إدارة سلامة العاملين رفقة فريق من وزارة الصحة في عقد هذه المحاضرات، فكان مهندس السلامة إبراهيم مختار من بين الفريق الذي يُصر على توعية العمال طيلة الوقت "خاصة وقت أكلهم أو قبل نومهم"، تلك المحاضرات التي كانت تُطمئنه هو أيضًا في ظل انتشار شائعات عدة، عما يحدث لهم خاصة في الأيام الأولى لإعلان إصابة المهندس الكندي، "أهلي بقوا يكلموني يعيطوا ويقولولي فيه ناس ماتت، انت مصاب ومخبي علينا"، ساهم في ذلك، ضعف شبكات المحمول والإنترنت في موقعهم "ماكناش بنعرف نوضح للناس الحقيقة في وقتها".
كان لضعف شبكة الإنترنت هناك، دور في إبعاد بعض أبناء مهندسي "خالدة" من مدارسهم، "قالوا لهم اقعدوا في البيت، لأن ممكن تكونوا اتعديتوا من أبهاتكم"، فضلًا عن قيام بعض جيران أسر العاملين بتجنبهم؛ خشية الإصابة بكورونا، وذلك بسبب الشائعات التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأولى للحجر الصحي، "لأن الشركة ووزارة الصحة قعدت تلات أيام لحد ما طلعوا بيان رسمي يوضحوا حالتنا".
رابط الجأش كان مختار دائمًا، كأنه يتعرض لهذا الحال يوميًا "طبيعة شغلنا في الصحراء بيخلينا نتعود على الأوضاع القاسية"، إلاّ أنه فشل في كبح جماح خوفه ما أن علم بتحويل أحد الموظفين بغرفة تصوير الأوراق إلى مستشفى النجيلة المركزي بمرسى مطروح، لارتفاع درجة حرارته وإصابته بصعوبة التنفس على مدار أيام متتالية، "ناس كتير قالت ده اتصاب بكورونا"، فاعتراه قلق كبيرًا سُرعان ما تلاشى "اتعمله تحليل بي سي أر وطلع سلبي، ورجع شغله بعدها بثلاث أيام".
رغم العزل الذي فُرض عليهم، لم يتوقف العمل في حقول خالدة "كنا بنشتغل الـ12 ساعة بتوع الشغل العادية"، تلك الساعات التي اجتهد فيها جميع العاملين حتى لا ينشغلوا بمخاوفهم، التي كادت تسيطر عليهم في ظل الشائعات ومكالمات الأهل الهلوعة، "كنا بنخلص ننام عالطول عشان مانفكرش"، إلاّ أن هذه المشاعر الثقيلة لم تستمر طويلًا، ما أ عاد مخالطين الدرجة الأولى لأعمالهم عقب ثبوت عدم إصابتهم بالفيروس.
بالتزامن مع التنظيف اليومي للغرف والخضوع لجميع الإجراءات الطبية من قِبل فرق وزارة الصحة التي ظلت متواجدة هناك طيلة الـ14 يومًا، كان يمر العمال بأيامٍ صعبة حُفرت في أذهانهم، خاصة حينما علم أحد المهندسين بوفاة أبيه في اليوم السابع من الحجر الصحي، "طبعًا ما اتسمحش له ينزل، لأن دي تعليمات على الكبير والصغير"، فتخيل المهندسون أنفسهم مكان صديقهم، الذي لم ير والده ولم يحضر جنازته.
بالساعة والدقيقة حسب عمال خالدة أيام الحجر الصحي، إلى أن أُعلن عدم إصابة أي منهم بذاك الفيروس، فهرول الجميع لتجهيز حالهم للسفر صوب أسرهم، "جهزوا لنا أتوبيسات وطائرات هاتطلع بكرة الصبح على مدار ثلاث أيام"، غير أنه قبل المغادرة خالجت فكرة بعينها نفس سيد حماد "روحت للدكتور وقولت له أنا خايف على بنتي إني ممكن يكون عندي كورونا وأعديها"، لكن الطبيب طمأنه بأن ذلك لن يحدث، وفقًا لنتيجة التحاليل الخاصة بهم جميعًا.