مقالات

رحيل مبارك .

 السبت  ,  29/02/2020 03:47:00 PM  

كَتَّبَ : محمد خيري

كتب _ أسامة نبيل 

لم اكن انوى الحديث عن مبارك من جديد واكتفيت بنقل خبر وفاته وبعض الاخبار عن جنازته باقتضاب فأنا لا احب الحديث عن رجل ميت ترك دنيانا الى دار الحق .
ولكن ما دفعنى للحديث الان هو كم ردود الفعل المثيرة للدهشه والمتضاربة احيانا والتى عبر فيها الناس عن مشاعرهم بعد وفاة مبارك
استوقفنى بشدة موجة الشد والجذب بين اصدقاء واقارب واخوة وصلت الامور بين بعضهم الى شجار او خصام او (block)  بسبب اختلافهم فى تناول مشهد موت مبارك والتعليق عليه حزنا او شماته 
واستوقفنى اكثر كم النفاق وتغيير المواقف الذى رأيته من سياسيين واعلاميين وشخصيات عامه
لا شك ان وفاة "مبارك" سببت انقساماً شديداً بين المؤيد أو المتعاطف وبين والرافض أو الكاره له .. 
لن اتحدث عن نفاق اعلاميين صرخوا على الشاشات من قبل من ظلم مبارك ونظامه وفوجئت بهم يتبارون فى رثاءه وعددوا محاسنه 
سأتناول امر وفاة مبارك من منظور سياسى واجتماعى بحت كونه رجل تولى حكم مصر لثلاث عقود سيطر فيها على مقدرات امة بأكملها 
من يرى ان السماء أمطرت حزناً يوم وفاة "مبارك" اقول له هو ظرف مناخي طبيعي وأن هناك عشرات وربما مئات ماتوا فى نفس اليوم والظروف منهم الصالح ومنهم الطالح .. اما إجازة المدارس فكانت بطبيعة الحال بسبب موجة المطر اللي أغلقت شوارع البلد وليست إشارة ربانية حدادا عليه .. اما مقولة "له ما له وعليه ما عليه" فهى مقوله قد يصح قولها عن اى شخص وليس مع "رئيس دولة" .. فـ"مبارك" جزء من التاريخ كان حاكما لبلد بحجم وتاريخ ومكانة مصر .. ونحن ندرس التاريخ و نتناوله ليس من أجل الشماتة ولكن من أجل الاستفادة من الايجابيات والتعلم من الأخطاء .. مبارك كأي شخصية عامة هناك ما نعلمه عنه وهناك ما لا نعلمه ..
نعلم مبارك القائد العسكري وهو محل احترام وتقدير مع كل أبطال نصر أكتوبر المجيد وقد أقيمت الجنازة العسكرية له لهذا السبب فقط 
وربما كان إلحاح بعض الدول العربية قد ساهم في إقامة تلك الجنازة وهو أمر مفهوم تقديراً منهم لدور "مبارك" في حرب الخليج ويفسر لماذا سبقت بعض دول الخليج مصر وأصدرت بيانات ونكست أعلامها قبل إصدار البيانات المصرية الرسمية بشأن وفاة مبارك والتى بدأت ببيان المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي اشار بوضوح الى انه أحد أبطالها وقادتها ثم تلاه بيان رئاسة الجمهورية وفي النهاية هو قائد عسكري كان له دور كبير فى نصر اكتوبر لا ينقص منه  أي خلاف آخر معه .. ولكن فى هذا الجزء لى ملحوظه مهمة فقد رأيت بعض المانشيتات والمقالات وبعض الاعلاميين منحوا لقب بطل الحرب والسلام لمبارك .. وكأنهم ينتزعون هذا  اللقب من الرئيس "السادات" بطل الحرب والسلام ضمن موجه النفاق التى رأيناها خلال الأيام الثلاثة الماضيه
ومما نعلم ايضا .. مبارك الرئيس ولقد كان رأيى ولا يزال منذ احداث يناير 2011 وما تلاها  أن أخطاء الرجل تفوق انجازاته بكثير 
والا لماذا قامت الثورة عليه وعلى تظامه !!
يحسب لمبارك انه حافظ على استقرار الوطن واكمل استعادة الارض ولم يسمح بقواعد اجنبية على ارض مصر ولم ينجر لتحالفات سياسيه معلنه وحافظ بصلابه على الثوابت القوميه وكان ناجحا بدرجه كبيرة فى السياسه الخارجيه 
 إما في المسائل الداخلية فحدث ولا حرج 
 فقد سلب الحكم لنفسه دون حق لمدة ٣٠ عاماً بالتزوير ولم تجري في عهده انتخابات واحدة نزيهة وانتشر الفساد في عهده  ليس فقط في أسرته أو المحيطين به بل أصبح أسلوب حياة نعانى منه حتى الان .
لا يجب ان ننسى ان مبارك ونجليه ادينوا فى قضية القصور الرئاسية بحكم نهائي وبات .. نعم هى القضية الوحيدة التى ادينوا فبها ولكنها جزء من كثير لم تتوفر فيه الأدلة او سقط بالتقادم او لم يكن محل تحقيق من الاساس .. ربما نبل اخلاق شعب مصر وموروثه الحضارى وما يتمتع به من تسامح وشهامة واجلال للموت وحرمته هى العوامل التى رسمت هذا المشهد الغريب بعد وفاة مبارك فى تناقض مذهل بين تكريم رجل بعد موته بواسطة شعبه الذى ثار عليه وخلعه قبل سنوات بعد ان فقد شبابه اى امل حقيقى فى مستقبل افضل .
تلك الاخلاق التى تميز شعب مصر عن غيره جعلته يتناسى او يتغاضى او يسامح فى حقه الذى سلب منه ومن اجيال بأكملها وطوال ثلاثون عاما فى اختيار حاكمه او حكومته او من يمثله فى البرلمان او حتى فى المجلس المحلى لمدينته او قريته بأنتخابات حرة ونزيهة مما قضى تماما على اى امل فى تداول سلمى طبيعى للسلطه .
عن حقه فى تعليم جيد أو علاج من امراض فتكت به .. عن رجال اعمال نهبوا ثرواته وطبقة من المنافقين والمنتفعين ظهرت فى عصره لا زالت تتلون وتركب كل موجه حتى الان بانتهازية سياسيه رخيصه .. عن عبث سياسى مكن جماعة الشر ان تكبر وتقوى وتنتشر وتملك اقتصادا موازيا وما جلبه علينا ذلك من كوارث وتطرف وارهاب .. 
عن عشوائيات وبلطجة وجهل وفقر ورشاوى وواسطه ومحسوبيه 
عن غياب اى محاسبة او مساءلة للفاسدين .
 لا اقول ان الحال الأن افضل كثيرا او ان الدنيا اصبحت وردية ولكن لا يجب ان ننسى مقولة الرئيس السيسى التى كررها كثيرا ان مشاكلنا وما نحن فيه الان بسبب ثلاثون عاما لم نفعل فيه شىء ووقفنا فيها حتى سبقنا كل من حولنا ثلاثون عاما جعلت الرئيس الان يسابق الزمن ليضع مصر فى المكان اللائق بها وليعوض بعض ما فاتنا وهو ما وضع اعباء اقتصادية مؤلمة على جيل مسكين ولد وعاش فى نظام مبارك .
اما ما لا نعرفه جيدا وهو "مبارك الأنسان"  فقد يكون عند الله أفضل مني ومنك ومن ملايين غيرنا فهذا علم الله وحده وهو الذى سيحكم بين الناس بالعدل لكن المؤكد أن الجنازات العسكرية وتنكيس الاعلام والحداد وعبارات الرثاء لن تكون في ميزان الإنسان أمام الله فكما أقيمت جنازات مهيبة لطغاة أقيمت لصالحين واخيرا اذكركم بقول الخليفة العادل سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه المبشر بالجنة حين قال باكيا  "لو مات جمل من عملي ضياعًا، لخشيت أن يسألني الله عنه"
فحكم العباد والبلاد هو حمل ثقيل تنوء بحمله الجبال ولكن شهوة الحكم والسلطة تعمى كثير من النفوس  
نسأل الله العلى القدير ان يغفر لنا وان يرحمنا 
حفظ الله مصر وشعب مصر العظيم 
تحياتى .