مرآه ومنوعات
"انتظروا الموت لتنجوا".. يوم في حياة طبيب سوري يتلقى استفسارات مصابي كورونا .
الخميس , 20/08/2020 10:33:00 AM  
كَتَّبَ : أية محمود
قِبالة أحد مستشفيات الهلال الأحمر بالعاصمة السورية دمشق، تسمَّر الطبيب السوري عصام منجونة في مكانه، يلتقط أنفاسه قبل الولوج إلى مقر عمله، ليباشر مُهمة شاقة مؤلمة على نفسه، كُلف بها قبل أسبوع، للرد على استفسارات السوريين المُشتبه بإصابتهم بـ"كوفيد-19)" القابعين بمنازلهم، في انتظار وفاة أحد المصابين بالمستشفى حتى يُخليَّ لهم مكانًا للعلاج "أقسى رد بنقوله للمريض على الخط الساخن انتظر بلكي بيموت شخص بالمشفى ويتوفر لك مكان"، يقول الطبيب الشاب.
الخط الساخن داخل المستششفيات بادرت وزارة الصحة السورية بتفعيله عقب ارتفاع حصيلة المصابين بفيروس كورونا إلى 1927 حالة حتى الأربعاء 19 أغسطس، لكن يقول الطبيب "الأرقام الحقيقية المصابة والتي نتعامل معها عن طريق الخط الساخن يوميًا، أكبر من ذلك بكثير"، مشيرًا إلى تلقيه مئات المكالمات اليومية معظمها من مصابين لديهم أعراض الفيروس المُستجد كاملة "خلال أسبوع واحد تلقينا 12 ألف اتصال".
كانت نوبة "منجونة" داخل عمله ليلية؛ شرع في تبديل ملابسه، ارتدى لبس الحماية الشخصية المُتمثل في القناع والقفازات الطبية اللّذين قلما عثر عليهم داخل المستشفى "نعاني من نقص شديد في كل شيء لحماية أنفسنا والمصابين"، يحاول إبعاد تلك الأفكار السلبية عن رأسه، يعتريه قلق واضح؛ جرّاء ما هو مُقبل عليه أثناء توليه زمام الأمور في الرد على الخط الساخن "العديد من المكالمات الحزينة والمؤلمة أظل أتلقاها حتى الصباح".
أوغل الليل، اشتدت درجة الحرارة، بدت الأجواء خانقة بالمستشفى، لم يتوقف هاتف الخط الساخن عن تلقي المكالمات التي تطلب أسطوانات أكسجين على وجه السرعة، غير أن الرد كان دائمًا "لم تتوافر لدينا بالمستشفى منفسة (أسطوانات أكسجين) واحدة نستطيع إرسالها لمصاب الفيروس بدمشق"، ينهار ذوي المصابين، يتوسلون ويرجون حتى ينعقد الكلام بلسانه فيما تستقر غصة بقلبه "كل ما أستطيع قوله ولا ألجأ إلى هذا الرد إلاّ مرغمًا انتظروا إذا مات مريض بنفضي لكم مكانًا".
لم تبرح تفاصيل مكالمة أخرى تلقاها منجونة في تلك الليلة ذهنه؛ إذ هاتفته إحدى السيدات ترجوه لتوفير أسطوانة أكسجين لأبيها الذي يفتك بجسده الفيروس التاجي، عقب تدهور حالة التنفس لديه، فما كان منه غير أن يخبرها بحقيقة الوضع الطبي داخل المستشفى؛ حيث يعمل "قالت دكتور أمي ماتت لأننا مالقينا إلها منفسه، وأبى خايفة يروح مني كمان، شوفلنا حل"، إلاّ أنه لم يكن لديه أيّ حلول لها، فما كان منه سوى أن أغلق الخط، وإحساسًا بالعجز يتملكه حتى كاد أن يخنقه مثلما يفعل (كوفيد-19) بضحاياه.
لم تكن خيوط الفجر غُزلت بعد في الأفق، حين نهض الطبيب السوري من مكانه، متخذًا إجراءات الحماية المتوافرة لديه، ليولي وجهه شطر أحد المصابين المُعزولين بمنزله؛ لفحصه عقب تدهور حالته الصحية "ده جزء من عملنا بالمشفى، لأنه ليس مقتصرًا على الرد على مكالمات الخط الساخن"، لم يتمكن في مقاومة مخاوفه من احتمالية انتقال الفيروس إليه من أحد المرضى "ما في طالع بإيدينا شي.. لن نترك المرضى إذا كانوا بحاجتنا".
حتى نهاية شهر يوليو المُنصرم، نشرت نقابة أطباء دمشق على صفحتها على "فيسبوك" لوائح بأسماء أطباء، قالت إنهم توفوا " في مواجهة فيروس كورونا" داخل المستشفيات السورية، وبلغ عددهم 31 طبيبًا، لذلك لا يشغل عصام منجونة شيئًا في طريق عودته إلى بيته، عقب انتهاء نوبته، سوى سؤالًا بعينه "ماذا إذا انتقل إلى الفيروس ونقلته بدوري إلى أسرتي؟ كيف سأتصرف حيال ذلك وأنا على علم بأن الأوضاع الطبية بدمشق متدنية للغاية؟".